من "الإنحراف" إلى التعصب الديني
ما يلفت الإنتباه ويبعث على الدهشة، هذه الأيام، تعدد أعمال العنف والتخريب في الأيام الأخيرة ، وبالتحديد في أحياء المدن التي يطغي عليها الفقر والحرمان،بدفع وقيادة من المتعصبين دينيا. هذه الحقيقة تبين ،إلى حد ما ، أن الحركيين امن المتزمتين دينيا الأشداء ينتدبون ، في معظمهم من الفئات المحرومة. تلك الفئات التي أضحت في العالم العربي الإسلامي بمثابة "محضنة" للإرهاب الذي يتخذ له "الإسلام وجها وذلك قد يفسر بكون تلك الفئات لها مستوى اجتماعي وثقافي متدن وتقطن أحياء "مغلقة" ومعروفة بتعدد المشاكل الإجتماعية الشيء الذي يؤثر على عملية التعلم وبالتحديد على سيرورة التنشئة الإجتماعية للأطفال والمراهقين في مرحلة حساسة من حياتهم.
وما يحدث هذه الأيام من أعمال عنف منظم وموجه لخير دليل على ما أقول.
وقد يكون ذلك ناجما عن كون "الإسلاميون" يعتمدون في انتدابهم للمناصرين على عامل التقوقع والخنوع والخضوع للأمر الواقع للقضاء والقدر_ لما هو مسطر مسبقا_ وهم يدعون ل"الزهد في الحياة الدنيا" " الزائفة والزائلة والتي لا تساوي شيئا"، مقارنة بالآخرة..هذا إلى جانب اعتبارها بمثابة " امتحان" لمدى قدرة المؤمن الحقيقي على المعاناة واعتبارا لكون من يزهدون في الدنيا يجازون في الآخرة...
ومن ناحية أخرى، يرجع ،في نظري ،المرور أو الإنتقال بسهولة من "الإنحراف" إلى التعصب والتزمت الديني ألى كون أولئك "المنحرفين" من الشباب يسهل التأثير فيهم لكونهم يمرون بمرحلة من مراحل النمو النفسي وهي المراهقة التي تتسم بالهشاشة النفسية بحيث يسهل على المتطرفين دينيا تعبئتهم وإخضاعم لعملية "غسل دماغ" ناجعة جدا وبدون ثغرات.
يضاف لذلك الحوافز العديدة والمتنوعة ،المادية منها والمعنوية، التي يعمد إليها "الإسلاميون" للتأثير في هؤلاء الشبان...
بعبارة أخرى يجوز القول إن الفئات المحرومة والشباب الذي يعاني من الحرمان ومن انعدام المساواة والعدالة الإجتماعية وعدم تكافئ الفرص في شتى المجالات يمثل حقلا خصبا ل"بذور" التعصب والتزمت والظلامية خصوصا وأن خطاب "الإسلاميين" يعد "مقنعا" لكونه مبني على "المقدس" أي على ما لا يجوز نقاشه لكونه مبني على المنزل الذي لا يقدر أحد على رفضه خشية الخروج عن الأغلبية في بلد تغد فيه العلمانية واللائيكية من قبيل الكفروالإلحاد...
كيف يمكن مقاومة التعصب الديني؟
"مقدس" و" مدنس" ،تلك الثنائية التي ينبني عليها خطاب الأصوليين، خطاب "الإسلام السياسي" أو "المسيس". الكلمة "المقدسة" في مواجهة الأفكار البشرية، ثمرة العقل، والنظريات التي أثبتت جدواها على مر العصور: من الفكر "الإيجابي" لكومت إلى "العقلانية الخالصة" لهيغل إلى حداثة هابرماس وفوكوا ، مرورا بالمادية الجدلية والتاريخية لماركس...
تلك النظريات البشرية ،مهما كانت قدرتها على الإقناع، فهي ترتطم حتما على "صخرة المقدس".
وما يبدو لي من قبيل المفارقة، هو كونه مهما كان المستوى الفكري للإنسانـ فهو في حاجة ،في فترة ما ، للإطمئنان على مصيره وذلك لكون المعرفة البشرية غير قادرة على المضي إلى نهاية المسار التفسيري. ومن هنا يأتي اصطدام العلم بالدين ،الذي يشكل له عائقا، ويجعل عديد العلماء _ وتلك مفارقة_ يخضعون للخطاب الديني...
لذلك يبدو لي من الأولويات فرض فصل الدين عن السياسة لكون الدين مسألة شخصية بحتة تتعلق بالجانب النفسي في حين أن "المادي" و"العيش معا " أي السياسة هي مسألة جماعية تتعلق بالجانب السوسيولوجي وبالتحديد العلاقات بين مختلف الفاعلين الإجتماعيين.
وفي ما يتعلق بالحد من تنامي هذه الآفة أي التطرف الديني في صفوف المحرومين أرى أن الحل يكمن في تحسين مستوى عيش الفئات المحرومة من ناحية وخاصة المرافقة النفسية عن طريق المؤسسات والمنظمات الثقافية التي من شأنها أن تقوم بالرعاية النفسية وبتأطير المراهقين اجتماعيا ونفسيا حتى لا يكونوا فريسة سهلة للمتطرفين ولا يشكلوا "محضنة" للأصولية والتزمت وخصوصا للإرعاب المادي والمعنوي...
par Abdelkader Ben Jdira, mardi 26 juillet 2011, 20:47